ليس من الغريب أن يُثار موضوع الحظ في ثنايا الكلام عندما يسعى الناس لتفسير سبب ازدهارهم الذي لم يكن في حسبانهم بتاتاً، أو عندما شكواهم من سوء الحظ الذي أصابهم على حين غرة.
يرى البعض أنفسهم محظوظين والبعض الآخر يرى العكس. والسؤال الذي يطرح نفسه “هل هم على حق أم أن هذا مجرد انعكاس لتركيبتهم العقلية؟”
يقوم البروفيسور بيتر كلوف (جامعة هيدرسفيلد) والدكتور نيل داغنال (جامعة ملتميديا بماليزيا) بإجراء أبحاث حول مفاهيم الحظ (والخرافة) وعلاقتها بالصلابة الذهنية.
وقد وجدا أن الحظ والخرافة غالبًا ما يتبناهما الناس ليكتسبوا من خلالهما شعوراً بالسيطرة في عالم يصعب جداً التنبؤ به، والذي أصبحنا نشير إليه بتسمية مختصرة جديدة –VUCA ، وهي اختصار لتقلبات طبيعة العالم في القرن الواحد والعشرين. وأصبح بإمكاننا تفسير ما نعجز عادة عن تفسيره بإرجاعه إلى الحظ أو اختلاق الخرافات.
ولكن هذا يُعتبر “تفكير خاطئ” إلى حد ما. والمُرجح هو أن معظم الناس، من الناحية الإحصائية، لديهم القدر نفسه من الحظ جيداً كان أو سيئاً. ففي بعض الأحيان تسير الأمور بشكل جيد وفي أحيان أخرى تسير على نحو غير مرغوب فيه.
وصحيح الأمر هو أن البعض سيخوض مجموعة من التجارب الجيدة والبعض الآخر سيخوض سلسلة من التجارب “غير الجيدة” أما الأغلبية فسيكون لديهم توازن معقول بين كلا النوعين.
الفارق يكمن في التركيبة العقلية. ففي حين يركز البعض على “التجارب السيئة” ويقللون من شأن الإيجابيات في حياتهم ويعتقدون أنهم غير محظوظين أو أن طريقهم محفوف بالعثرات، سيركز الآخرون على الأشياء الجيدة ويعالجون تجاربهم الأقل إيجابية.
أظهر بحث نيل داغنال أن هناك علاقة بين الصلابة الذهنية والمفاهيم المرتبطة بالحظ. فكلما كان الفرد أكثر صلابة ذهنية، زاد اعتقاده بأنه هو الذي يصنع حظه بنفسه. وتبرز العلاقة الأقوى في ثنايا عنصر التحكم – أحد عناصر الصلابة الذهنية- وربما كان هذا أمراً غير مفاجئ، حيث يصف مقياس التحكم ويقيم مدى شعور الأفراد بقدرتهم على التحكم في حياتهم وظروفهم وقدرتهم أيضاً على إدارة استجابتهم العاطفية للأحداث.
ويتسق هذا اتساقاً واضحاً مع بحث عن “النسيان الموجه” (هناك مقالة عنه في المدونة) الذي قام به الدكتور ستيف ديهورست في جامعة هال، والذي أظهر أن الأفراد أصحاب الصلابة الذهنية كانوا أكثر قدرة على “نسيان” التجارب السابقة والتركيز على ما يحدث لهم في الوقت الحالي، مشيراً إلى أن الكثير منا ربما يكون لديه القدرة على التعامل مع الشدائد والأحداث “السيئة” التي نصطدم بها، في حين كان أصحاب الحساسية الذهنية أقل قدرة على القيام بذلك.
يشير كل هذا إلى قيمة امتلاك تركيبة عقلية إيجابية إذا مأردنا التعامل مع كل شيء نواجهه في حياتنا وعملنا ودراستنا. ستكون هناك تحديات في رحلتنا عبر الحياة، والإيمان بالذات هو المفتاح. يمكنك الإيمان بالحظ إذا شئت، لكن رسالتنا هي أنك أنت الذي تصنع حظك.
ربما كانت كلمة الفصل في هذا الموضوع للبروفيسور وايزمان (جامعة هيرفوردشاير) الذي حدد المبادئ الأربعة المرتبطة بالأشخاص المحظوظين. فهم:
- يمتلكون مهارة في ملاحظة فرص التغيير والعمل عليها (عنصر التحدي في الصلابة الذهنية)
- يقومون باتخاذ قرارات جيدة بناءً على حدسهم (أظهر مقال سابق مدى ارتباط ذلك بالصلابة الذهنية)
- يتوقعون حسن الحظ (إحدى سمات الصلابة الذهنية)
- يقومون بتحويل الحظ السيئ إلى حظ سعيد، حيث يتعلمون من جميع تجاربهم (بالإشارة إلى عنصر التحدي مرة أخرى)